samedi 19 avril 2008

البحث الأنثروبلوجي

تهتم الإثنولوجيا بالكشف عن بنيات المجتمعات الإنسانية، من خلال دراسة أوجه الشبه بينها و تحديد العلاقات التيبين أفرادها. و هي بذلك تعتمد على علوم أخرى: مثل الأركيولوجيا، الإثنوغرافيا، علم الاجتماع و الأنثروبولوجيا. و لم تستطع الاثنولوجيا الاستقلال عن العلوم الإنسانية الأخرى إلا في عام 1930. و يعتبر هيرودوت - القرن الخامس قبل الميلاد - من الأوائل الذين أرخوا لهذا العلم، من خلال الملاحظات حول الشعوب التي كان يزورها أثناء رحلاته. و كان قد صنف تلك الشعوب، وفق رؤيته الخاصة لثقافتهم؛ إلى برابرة بالمفهوم الإريقي، إزاء الشعوب الأكثر تحضرا مثل الميديين و المصريين. أما في العصور الوسطى فلم تكن الضرورة ستمح للعلماء بالبحث خارج إطار المسيحية، كعقيدة و كثقافة. إلا في حدود ضيقة بالنسبة للشعوب المجاورة مثل العرب. إلا أنه فيما بعد، عملت أغلب و أشهر الأبحاث على الكشف عن مجتمعات جديدة مثل المجتمع الهندو-أمريكي. إلا أن أغلب أولئك العلماء رفضوا أن ينعتوا تلك الشعوب الجديدة بأوصاف بشرية و اعتبروها كائنات غير إنسانية. و اعتبروا تلك الأراضي جزءا من فردوسهم الذي كان مفقودا. في القرن 17، توجه الباحثون إلى محاولة تصنيف المجتمعات ، ما دام العلماء قد حددوا من قبل، من هم اليهود كمجتمع و من هم الإغريق و المصريون... و ظل السؤال المطروح لديهم هو: إلى أي وججهة يمكن تصنيف تلك الشعوب التي يعتبرها أغلبهم متوحشة؟ منهم من التجأ إلى عامل المناخ و البيئة؛ و اعتبر أن المجتمعات تختلف باختلاف بيئاتها ، و هذا ما جاء به الأب ساغار. و اعتبر غير الأوربيين عاجزين عن الابتكار. إلا أن هذا الرأي ما فتئ أن تجووز بمجيء عصر الأنوار، حيث تمت نشأة الأنتروبولوجيا، و هي الهدف المشترك للفلاسفة و العلماء و الباحثين الرحل و الطبيعيين. فقد انطلق هؤلاء من فكرة أن المجتمعات تتأثر - بدرجة أولى - بمحيطها. فكان أن انتقد مونتسكييو نظرية المناخ التي قال بها الأب ساغار. أما فولتير فكان أول من اعتمد الوثائق الاثنوغرافية بطريقة موضوعية. إلا أن جون جاك روسو عمل على دراسة المؤسسات الاجتماعية من خلال إنكار سمة الوحشية على تلك المجتمعات. في هذه المرحلة - أي القرن 18 - كان الطبيعيون يطرحون إشكالية المجتمعات البشرية الموجودة قبل الإنسان ، حيث حاول الباحث كوكي تقسيم تلك المراحل إلى مرحلة استعمال الأحجار ثم المعادن و أخيرا مرحلة استعمال الحديد؛ و هي المراحل التي أصبحت فيها تلك الكائنات إنسانية. في القرن 19، أصبح للجيولوجيا دورها الهام في الكشف عن بعض جوانب الغموض المتعلقة بتاريخ المجتمعات البدائية ، استنادا إلى مقاربات أنثروبولوجية و عرقية. فكان بوشي دو بيرت رائد هذه المرحلة، حيث نشر عام 1864 بحثه حول " برهنة الجيولوجيا على أقدمية الإنسان " . فيما بعد أصدر الفيلسوف و العالم داروين كتابه " أصل الأنواع " ليتحدث عن الإشكالية المطروحة آنذاك، هل الإنسان يعود إلى نوع واحد، و يعتبر ذاك النوع أصلا له، أم أن جل الأنواع الموجودة ظهرت في فترة زمنية واحدة، و في أماكن مختلفة من العالم. في بداية القرن العشرين ، تطورت الأبحاث بفضل البعتات و الإرساليات. و بفضل العلوم المختصة بدراسة الإنسان، مثل: دراسة العظام التي تحدد من خلالها الأنواع و الأجناس، إلى جانب دراسة سائر أجزاء الجسم البشري، إذ استطاع - بفضل ذلك - مندل و نودان تحديد التقنيات المتعلقة بنظام الوراثة. في أوائل القرن العشرين ، أوضح الباحث هيرتزفيلد بأن فصيلة الدم تسهم في تحديد العنصر الوراثي. بعد ذلك أظهر مورغان في كتابه " المجتمعات القديمة " مراحل نمو و تطور المجتمعات : مرحلة التوحش - البربرية - الحضارة. و قد لعبت أبحاث مورغان دورا كبيرا في التلأثير على فكر مارس و إنجلز . في هذه الأثناء تطورت عدة دراسات متعلقة بثقافة المجتمعات البشرية، فشغلت بذلك المفاهيم الوظيفية حيزا من الأهمية مع مالينوفسكي الذي ركز اهتمامه على المؤسسات الاجتماعية إزاء وظائفها وفق حاجيات الأفراد ، فالرغبة في العلم تتطلب وجود مؤسسة تعليمية ، و الرغبة في الراحة تتطلب وجود مسكن، و الحاجة للأمن و الاستقرار تدعو إلى وجود مؤسسة أمنية و عسكرية... بالنسبة لباخوفن 1861- اهتم بنظام القرابة، في حين ركز تايلور على حدثي الموت و الحلم كأساس لخوض تجربة الخوف من العالم العلوي، و من تم محاولة السيطرة من خلال توظيف عناصر الطبيعة و خلق مفاهيم دينية. أما في الولايات المتحدة الأمريكية، ظهر بواس و لوي كمهتمين بهذا المجال، إذ صبا اهتمامهما على ما هو مختلف في الثقافة الإنسانية للكشف عن العنصر الموحد. أما ليفي برول و فرويد و دوركهايم ( و هم علماء اجتماع فرنسيون) فقد أوضحوا أن الدين ليس ظاهرة فردية، و لا يمكن تفسيره بالحلم أو الموت بل هو ظاهرة اجتماعية. بالنسبة لفرويد انتقل من ميدان التحليل النفسي إلى مجال الأنثروبولوجيا بمقارنة الأمراض العصابية و الذهانية عند الأطفال ببعض السلوك و الطقوس الممارسة من لدن الأقوام البدائية، خاصة في مالينيزيا و بولينيزيا. و خلصإلى القول إن هذه الأقوام تشكل طفولة المجتمعات البشرية. لم تبدأ الإثنولوجيا الحديثة كعلم دقيق إلا بعد الحرب العالمية الأولى ، مع ليفي شتراوس صاحب النظرية البنيوية. فقد اعتبر أن الأحداث داخل أسطورة معينة يجب أن تصنف إلى أحداث صغرى و أخرى كبرى كما نصنف أوراق اللعب. و أكد على ضرورة الاشتغال في الساحة لأجل الاحتكاك بالمجتمع المدروس، و تقديم تحاليل موازية لما يلحظه الباحث عن قرب. لقد كانت أبحاث الأنثروبولوجيين القدامى مبنية على الصدفة بدرجة أولى لاعتمادهم على نتائج المستكشفين و المغامرين و المرسولين في بعثات شبه عسكرية. لذلك كانت تنقصها الدقة. و من تم كانت الضرورة ملحة للاتصال مباشرة بالمجتمعات المدروسة . جل تلك البحوث و الدراسات و النظريات... شكلت أرشيفا ضخما للتاريخ البشري. فالإثنولوجيا ، إذن، استجابة لطموحات الإنسان في معرفة الشعوب البعيدة، و إن كانت أمم ما تزال تحتفظ لنفسها بسبل عيش جد بدائية.

Aucun commentaire: